ضمير العالم الغائب- فلسطين، الأخلاق، والسياسة الواقعية

المؤلف: سلطان السعد القحطاني10.05.2025
ضمير العالم الغائب- فلسطين، الأخلاق، والسياسة الواقعية

وأنت تتأمل أحوال العالم من حولك، تجد أن المظاهر الحضارية البراقة ليست سوى قناع يخفي وراءه طبيعة الإنسان القديم المتوحشة. إنه يمارس استبداده وهيمنته على كل عرق يعتبره أدنى منه، دون رادع أو وازع من ضمير.

هذا هو الواقع المرير الذي نعيشه اليوم، حيث نشهد مأساة شعب يواجه احتلالًا عنصريًا بغيضًا لا مثيل له في التاريخ الحديث. والأدهى من ذلك، نشهد صمتًا عالميًا مروعًا، يثير الرعب ليس فقط على مستقبل المنطقة، بل على مستقبل الإنسانية جمعاء. ما أشد هول هذا العالم حين نرى القتلة يتأففون من صراخ ضحاياهم، ويشمئزون من منظر دمائهم الزكية.

في ظل الدعوات المشينة للتهجير القسري، الذي لا يقل فظاعة عن التطهير العرقي، يحتاج العالم إلى صحوة ضمير حقيقية من أجل إيجاد حل عادل لقضية شعب يستحق أن يعيش بكرامة. لقد عانى الفلسطينيون على مدى عقود طويلة من التهميش والإقصاء، وهو وضع لا يمكن أن يؤدي إلى تسوية سياسية مستدامة مهما بلغت حدة القمع والضغوط.

عندما تتأمل تاريخ القوى الاستعمارية العظمى، يتلاشى التفاؤل ليحل محله شعور بالأسى والحزن العميق على هذا العالم. يبدو أن الشرق الأوسط على وشك أن ينتج نسخته الخاصة من مأساة "الهنود الحمر"، وسيدخل قاموس المصطلحات السياسية مصطلح جديد باسم "السكان الأصليون"، لتصبح هذه القضية مجرد ذكرى باهتة في كتب التاريخ والأغاني الحزينة.

لطالما كان الصراع الفكري قائمًا بين أنصار المدرسة الواقعية، الذين يؤمنون بسيادة المصلحة والقوة في العلاقات الدولية، وبين دعاة السياسة الأخلاقية، الذين يطالبون بالعدالة والقيم الإنسانية. وقد أثمر هذا الحوار على مر السنين العديد من الكتب والمحاضرات والأبحاث القيّمة. ولكن مع مرور الوقت، نكتشف أن قوة أي شعب تكمن في وحدته وتماسكه والتفافه حول قيادته، وإلا فإنه يصبح فريسة سهلة للافتراس والابتلاع.

الفرق الجوهري بين السياسة الواقعية والسياسة الأخلاقية في العلاقات الدولية يكمن في الأسس التي تعتمد عليها كل منهما في اتخاذ القرارات السياسية المصيرية.

السياسة الواقعية تنطلق من المصلحة الوطنية والقوة كمرتكزات أساسية في صنع القرار، وتتبنى رؤية نفعية وعملية بعيدة عن الاعتبارات الأخلاقية أو الأيديولوجية. في المقابل، ترتكز السياسة الأخلاقية على القيم النبيلة، مثل العدالة والتعاون الدولي، وتؤمن بأن السياسة يجب أن تسترشد بالمبادئ الأخلاقية السامية وليس فقط بالمصالح القومية الضيقة. كما أنها تدعو إلى تعزيز السلام والتعاون من خلال المؤسسات الدولية والقانون الدولي.

بعبارة أخرى، تهتم السياسة الواقعية بالنتائج والمكاسب الاستراتيجية الملموسة، بينما تركز السياسة الأخلاقية على المبادئ والقيم العليا في العلاقات الدولية. وفي عالمنا المعاصر، نلاحظ أن الواقعية أصبحت هي اللغة السائدة، وأن "الأخلاقية السياسية" قد تراجعت وتوارت في خضم المصالح الأنانية والرؤى الضيقة للدول التي لا ترى سوى مصلحتها الخاصة.

لقد فقد العالم براءته ربما، بعد رحيل أحد أبرز منظّري السياسة الأخلاقية في السياسة الخارجية، وهو وودرو ويلسون، الرئيس الأمريكي الأسبق (1913-1921)، الذي اشتهر بمبدأ "الدبلوماسية الأخلاقية"، وسعى جاهدًا لجعل السياسة الخارجية الأمريكية تستند إلى القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، بدلًا من المصالح القومية الضيقة والمحدودة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة